*مسجد (الصحابة) في مدينة درنة بدولة ليبيا.*

أ.د.فؤاد البنا

يقع هذا المسجد في ميدان الصحابة الذي يمثل القلب النابض لمدينة درنة الجبلية التي تطل على سواحل البحر المتوسط مستوطنة شمال شرق ليبيا، وهي المدينة الأكثر تضررا من السيول التي تسبب بها أحد الأعاصير المصحوبة بأمطار غزيرة منذ يومين.

وسمي باسم مسجد الصحابة لأنه بني على جزء من مقبرة كبيرة كانت تحتضن جثامين سبعين من الصحابة الذين استشهدوا في معارك مع البيزنطيين، بجانب آلاف من قبور أبناء هذه المدينة التي اشتهرت بتدين أبنائها واهتمامهم بالقرآن، وكانت أول مدينة ليبية تنتصر بتضحيات أبنائها وجهودهم الذاتية ضد تنظيم دا.ع.ش الإرهابي عام ٢٠١٦م.

تأسس المسجد عام ١٩٧٠ وافتتح عام ١٩٧٥م بتمويل من رجال الخير في المدينة، وقد بني وفق أعلى درجات الإحسان والإتقان وسخرت له أفضل مواد البناء؛ بفضل كرم المقتدرين من أبناء المدينة.

يعد هذا المسجد أكبر مساجد مدينة درنة، فقد شيد على مساحة كبيرة، كما رأيت في أكثر من فيديو بعد أن أخليت بقايا عظام الموتى وأعيد دفنها، لكن لا توجد أرقام دقيقة حول المساحة والسعة، ويمكن القول إنه من أكبر مساجد ليبيا قاطبة، فمساحته كبيرة للغاية ويتكون من طابقين فسيحين، ويحتوي على مصليات تستوعب آلاف المصلين.

وبجانب ذلك فإنه يقوم بدور تعليمي واجتماعي واسع الأثر؛ إذ يحتوي على صالة كبيرة تتم فيها عقود الزواج والتعازي لأغلب أبناء المدينة الذين يجتمعون تحت سقفه من جميع المشارب الفكرية والاجتماعية والقبلية، وتعارف أهل المدينة على أن تتم الصلاة على موتاهم في رحابه.

بني المسجد على الطراز الإسلامي الأصيل دون أن يهمل مصمموه المنجزات العلمية في هذا المضمار، مما أظهره ببهاء لا تشي عنه الصور المتواضعة للأسف الشديد!

يتزين المسجد بواجهة بالغة الجمال ترتكز في منتصفها قبة ومئذنتان عن يمين وشمال، بجانب سلسلة من القباب الصغيرة التي توزعت على أماكن متعددة من المبنى الضخم !

وتتسم النواحي الداخلية بجمال ينسكب على الأعين والقلوب، من خلال أعمدته الاسطوانية الأنيقة، ومنبره الحسن، ومحرابه الجميل، وما يتدلى من السقف من ثريات ونجف وفوانيس!

ويزداد جمال المسجد بالحدائق التي تزدان بالشجر في أكنافه، وتخصص إدارة المسجد من يقوم بتعهدها سقياً وتقليما وتشذيبا.